أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

 خطبة الجمعة : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

 نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ بتاريخ 7 صفر 1447هـ، الموافق 1 أغسطس 2025م

 خطبة الجمعة القادمة بعنوان : نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة ، بتاريخ 7 صفر 1447هـ، الموافق 1 أغسطس 2025م.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بصيغة word بعنوان :  نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان لـ صوت الدعاة.

 

وكذلك : لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بصيغة pdf بعنوان : نِ نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ، لـ صوت الدعاة.

 

-عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بعنوان :  نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ، إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان.

 

الْعُنْصُرُ الأَوَّلُ: قَدْرُ نِعْمَةِ الْمَاءِ فِي الْوَحْيَيْنِ وَآثَارِ السَّلَفِ

العُنْصُرُ الثَّانِي: خُطُورَةُ إِهْدَارِ الْمَاءِ وَفِقْهُ التَّرْشِيدِ فِي السُّنَّةِ

العنصر الثالث استغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 أغسطس 2025م بعنوان :  نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان : كما يلي:

 

 نِعْمَةُ الْمَاءِ مُقَوِّمٌ أَسَاسِيٌّ لِلْحَيَاةِ

7 صفر 1447هـ – 1 أغسطس 2025م

إعداد: رئيس التحرير د. أحمد رمضان

المـــوضــــــــــوع

الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا، وَجَعَلَ الْمَاءَ أَسَاسَ الْحَيَاةِ وَسِرَّهَا، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَأشْهَدُ أَنْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الَّذِي جَعَلَ الْمَاءَ مِفْتَاحًا لِلنَّبَاتِ، وَسَبَبًا لِلْإِحْيَاءِ وَالنَّمَاءِ. وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، وَرَائِدُ الْأَتْقِيَاءِ، دَعَا لِلتَّأَمُّلِ فِي آلَاءِ اللهِ، وَأَوْصَى بِالشُّكْرِ عَلَى نِعَمِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَنَفْسِيَ الْخَاطِئَةَ بِتَقْوَى اللهِ ﷻ، فَهِيَ أَسَاسُ النَّجَاةِ وَسَبِيلُ الْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، وَمِفْتَاحُ الْفَوْزِ فِي الدَّارَيْنِ.  قالَ اللهُ ﷻ: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطَّلاق: 2-3].

الْعُنْصُرُ الأَوَّلُ: قَدْرُ نِعْمَةِ الْمَاءِ فِي الْوَحْيَيْنِ وَآثَارِ السَّلَفِ

أيُّهَا الْأَحِبَّةُ فِي اللهِ، إِنَّ نِعْمَةَ الْمَاءِ لَهِيَ مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى خَلْقِهِ، وَفَتَحَ بِهَا أَبْوَابَ الرَّزْقِ، وَبَسَطَ بِهَا الْحَيَاةَ فِي أَرْجَاءِ الْأَرْضِ.

قالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: 30]. قال ابن كثير- رحمه الله -: أي: أصلُ كلّ شيءٍ حيٍّ في الأرض الماءُ، كما قالَ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ﴾ [النور: 45] تفسير ابن كثير، جـ5، صـ319.

وقال القرطبي- رحمه الله -: هذه الآية دليل على أن الماء أصل الحياة، وأنه لا قيام للحياة بدونه. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، جـ11، صـ272.

وقال الطبري- رحمه الله -: كلّ ما فيه روح، فالماءُ سببُ حياته. جامع البيان، الطبري، جـ17، صـ10]

ذِكْرُ الماءِ فِي الْقُرْآنِ

لَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَاءِ فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرَ مِنْ ستِّينَ مَوْضِعًا، تَارَةً فِي سِيَاقِ الرَّحْمَةِ، وَتَارَةً فِي سِيَاقِ التَّأْمُّلِ وَالْآيَاتِ، وَأُخْرَى فِي سِيَاقِ الْمِنَّةِ وَالْإِنْعَامِ. قالَ اللهُ ﷻ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ [الواقعة: 68–69]. تفسير السعدي: هو تذكير بنعمة الله، إذ أنزل الماء الصالح للشرب من السحاب، ولو شاء لجعله ملحًا أجاجًا، لكنه برحمته جعله عذبًا فراتًا. تفسير السعدي، صـ831.

 الْمَاءُ بَيْنَ الْإِيجَادِ وَالتَّسْخِيرِ

إِنَّ اللَّهَ ﷻ سَخَّرَ الْمَاءَ لِلْإِنْسَانِ، فَجَرَاهُ فِي الْأَنْهَارِ، وَأَنْزَلَهُ فِي الْغُيُوثِ، وَخَزَّنَهُ فِي الْآبَارِ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً، وَسَبَبًا لِلْأَمْنِ، وَالزُّرُوعِ، وَالْغِلَالِ. قالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر: 21].

آثَارُ السَّلَفِ فِي تَعْظِيمِ نِعْمَةِ الْمَاءِ

كَانَ السَّلَفُ يَعْرِفُونَ قَدْرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ، وَيَخْشَوْنَ زَوَالَهَا، وَيُكْثِرُونَ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْغَيْثِ وَالْمِيَاهِ.

وكان الحسن البصري رَحِمَهُ اللهُ يقول: “انظر إلى الماء؛ قطرةٌ منه يُحيي اللهُ بها بلدةً ميتة، فكيف نغفل عن شكره؟!”

قِصَّةٌ نَبَوِيَّةٌ مُؤَثِّرَة

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: أَصَابَتِ النَّاسَ سَنَةٌ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَخْطُبُ علَى المِنْبَرِ يَومَ الجُمُعَةِ قَامَ أعْرَابِيٌّ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، هَلَكَ المَالُ، وجَاعَ العِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا أنْ يَسْقِيَنَا، قالَ: فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ وما في السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، قالَ: فَثَارَ سَحَابٌ أمْثَالُ الجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عن مِنْبَرِهِ حتَّى رَأَيْتُ المَطَرَ يَتَحَادَرُ علَى لِحْيَتِهِ، قالَ: فَمُطِرْنَا يَومَنَا ذلكَ، وفي الغَدِ، ومِنْ بَعْدِ الغَدِ، والذي يَلِيهِ إلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى، فَقَامَ ذلكَ الأعْرَابِيُّ – أوْ رَجُلٌ غَيْرُهُ – فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَ البِنَاءُ وغَرِقَ المَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَيْهِ، وقالَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، ولَا عَلَيْنَا. قالَ: فَما جَعَلَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُشِيرُ بيَدِهِ إلى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّمَاءِ إلَّا تَفَرَّجَتْ، حتَّى صَارَتِ المَدِينَةُ في مِثْلِ الجَوْبَةِ حتَّى سَالَ الوَادِي -وادِي قَنَاةَ- شَهْرًا، قالَ: فَلَمْ يَجِئْ أحَدٌ مِن نَاحِيَةٍ إلَّا حَدَّثَ بالجَوْدِ” البخاري ومسلم.

قال ابن حجر: في هذا الحديث دليل على أن نزول المطر نعمة تُستجلب بالدعاء، وأنها سبب من أسباب الحياة والرحمة. فتح الباري، ابن حجر، جـ2، صـ517.

تأمّلوا – رعاكم الله – كيف نزل المطر بدعوة نبيّ الله ﷺ، لا قَزَعَةَ في السماء ولا أثرَ للغمام، فإذا الغمام يتكوّن فجأةً، والسحاب يثور كأنّه الجبال، حتّى سال الوادي شهرًا، وغرقت الأبنية، واستغاث الناس ثانيةً… مشهدٌ تفيضُ منه عظمةُ الدعاء، وجلالُ القدرة، وصدقُ وعد الله: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ [المؤمنون: 18].

نعم، الماءُ لا ينزل جزافًا، ولا يأتي فوضى، بل بقَدَرٍ دقيقٍ، بحكمةٍ عظيمةٍ، وميزانٍ محكمٍ لا يختلُّ ولا يضطرب. فإذا كثُر قَدرُه طغى، وإن قلَّ أجدب.

فانظر – رعاك الله – إلى قومِ نوحٍ، كيف طغَوا وكفروا، فكان الماء جُنديًّا من جنودِ الله، قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: 11-12].

فصار الماء سبب فناءٍ وهلاكٍ، بعدما كان حياةً ونماءً.

وتأمل قوم فرعون، قال تعالى: ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: 40]، وقال: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَغْرَقْنَاهُمْ﴾ [يونس: 73]، وقال: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ﴾ [العنكبوت: 14]، فانقلب الماء من سقاءٍ للزرع إلى سَيفٍ صارمٍ، يُفني ويُبيد.

أمّا حين يشحّ الماء، فالعبرةُ أبلغُ، فقد ذكر اللهُ حالَ قوم سبأ: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ: 16]، وجعلَ الجناتِ خلفَهم هشيمًا، لا نَبْتَ فيه، ولا ماءً.”.

وفي الحديثِ الشريفِ، نلمح أثرَ الدعاء في توزيع الماء، لا يزيد إلا بقدرٍ، ولا ينقص إلا بحكمةٍ، ولا يأتي إلا بإذنه، فإن وُجِدَ الشكرُ زاد، وإن وُجِدَ الكفرُ قَحَط.

ولهذا قال تعالى بعد ذكره للماء: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءًۭ بِقَدَرٍۢ فَأَسْكَنَّـٰهُ فِى ٱلْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍۢ بِهِ لَقَـٰدِرُونَ﴾ [المؤمنون: 18]. فما أحوجَنا اليومَ أن نستشعرَ هذه النعمة، ونقدّرَ هذا القَدَر، ونتذكّر أنّ الماء رحمةٌ إذا شكرنا، ونقمةٌ إذا كفرنا، وبه الحياة، وبه أيضًا الهلاك.

إِذَنْ، أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ، لَيْسَ الْمَاءُ مَادَّةً فَقَطْ، وَلَا سَائِلًا عَادِيًّا، بَلْ هُوَ سِرٌّ إِلَهِيٌّ، وَآيَةٌ كَوْنِيَّةٌ، وَنِعْمَةٌ عُظْمَى، وَأَمَانَةٌ يَجِبُ شُكْرُهَا وَتَعْظِيمُهَا، فَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى مَائِكُمْ، وَتَأَمَّلُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾ ﴿أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ [الملك: 30].

العُنْصُرُ الثَّانِي: خُطُورَةُ إِهْدَارِ الْمَاءِ وَفِقْهُ التَّرْشِيدِ فِي السُّنَّةِ

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، إِذَا كَانَ الْمَاءُ هُوَ أَسَاسَ الْحَيَاةِ، وَسِرَّهَا الْخَفِيَّ، وَعَطِيَّةَ اللهِ الْمُبَارَكَةَ، فَإِنَّ تَضْيِيعَهُ وَإِهْدَارَهُ هُوَ إِزْهَاقٌ لِرُوحِ الْكَوْنِ، وَخِيَانَةٌ لِلأَمَانَةِ، وَمُضَادَّةٌ لِفِقْهِ الشُّكْرِ، وَقَدْ أَكَّدَتِ الشَّرِيعَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُصُوصِهَا عَلَى أَنَّ إِسْرَافَ الْمَاءِ إِثْمٌ وَضَلَالٌ، وَأَنَّ الِاقْتِصَادَ فِيهِ عِبَادَةٌ وَصَوَابٌ.

أَوَّلًا: إِهْدَارُ الْمَاءِ مُنَافٍ لِلتَّقْوَى وَالْعَقْلِ

إِنَّ الَّذِي يُسْرِفُ فِي الْمَاءِ، أَوْ يَهْدِرُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، هُوَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ يُنَازِعُ مَشِيئَةَ اللهِ فِي رِزْقِهِ، وَيُظْهِرُ الْجُحُودَ بِنِعْمَتِهِ.

قالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 26-27]. تفسير ابن عاشور: التبذير في كلّ موردٍ للنفع – ومنه الماء – هو استخفافٌ بالنعمة، وإتلافٌ لما أمر اللهُ بحفظه، وقد شبّه اللهُ المبذرين بإخوان الشياطين لأنهم يعملون عملهم في الفساد والإهلاك. التحرير والتنوير، ابن عاشور، جـ15، صـ82]

ثَانِيًا: فِقْهُ التَّرْشِيدِ فِي سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ

إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَرَى الْقِمَّةَ فِي فِقْهِ الْتَّرْشِيدِ، فَلْنَنْظُرْ إِلَى أَخْلَاقِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَعَامُلِهِ مَعَ الْمَاءِ.
فَقَدْ كَانَ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الْمَاءِ، وَأَكْثَرَهُمْ رُشْدًا فِي اسْتِعْمَالِهِ، حَتَّى وَإِنْ كَانَ عَلَى ضَفَّةِ نَهْرٍ جَارٍ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَتَوَضَّأُ بِمُدٍّ، وَيَغْتَسِلُ بِصَاعٍ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ. رواه البخاري، رقم: 201، جـ1، صـ67]

تفسير الحديث (ابن حجر): فيه دلالة على الاقتصاد في استعمال الماء، وأن الإفراط في استخدامه مذموم، ولو في العبادة. فتح الباري، جـ1، صـ249] وروى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن النبي ﷺ مرَّ بسعدٍ وهو يتوضأ، فقال له:مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟” قال: أفي الوضوء سرفٌ؟! قال: «نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ” رواه ابن ماجه، رقم: 425، صحيح.

وانظر عندما دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ الْوَاعِظُ عَلَى هَارُونَ الرَّشِيدِ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَأْسُ مَاءٍ، فَقَالَ لَهُ:

يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ مُنِعْتَ هذِهِ الشَّرْبَةَ مِنَ الْمَاءِ، بِكَمْ كُنْتَ تَشْتَرِيهَا؟

قَالَ: بِنِصْفِ مُلْكِي.

قَالَ: فَإِنْ مُنِعْتَ إِخْرَاجَهَا (أَيْ: التَّبَوُّلَ)، فَبِكَمْ تَشْتَرِي إِخْرَاجَهَا؟

قَالَ: بِنِصْفِهِ الآخَرِ.

فَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ: فَلَا خَيْرَ فِي مُلْكٍ لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ!

يَا عِبَادَ اللَّهِ، تَأَمَّلُوا فِي هذَا الْحِوَارِ الْبَلِيغِ بَيْنَ سُلْطَانٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا، وَعَالِمٍ يَمْلِكُ الْحِكْمَةَ؛ كَيْفَ جَعَلَ كَأْسَ مَاءٍ مِيزَانًا لِمُلْكِ الْأَرْضِ! كَيْفَ وَضَعَ نِعْمَةَ الْمَاءِ فِي مَقَامٍ لَا يُقَدَّرُ بِثَمَنٍ!

لَقَدْ أَصَابَ ابْنُ السَّمَّاكِ، فَإِنَّ أَعْظَمَ الْمُلُوكِ لَا يَمْلِكُ فِي لَحْظَةِ عَطَشٍ أَوْ مَرَضٍ أَنْ يَنَالَ شَرْبَةَ مَاءٍ إِلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلَا يَمْلِكُ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ جَسَدِهِ إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ.

أَفَبَعْدَ هذَا نُسْرِفُ فِي الْمَاءِ؟! أَفَبَعْدَ هذَا نُهْدِرُهُ دُونَ حِسَابٍ؟!

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الْأَنْبِيَاءُ: ٣٠].

أَفَلَا نَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ أَنْ نُسْرِفَ فِي أَعْظَمِ نِعَمِهِ؟!

 وَهَكَذَا يَا أَحِبَّتِي، إِذَا كَانَ هَارُونُ الرَّشِيدُ، صَاحِبُ السُّطْوَةِ وَالْمُلْكِ، اعْتَرَفَ أَنَّ شَرْبَةَ مَاءٍ قَدْ تُسَاوِي مُلْكَهُ، فَكَيْفَ بِمَنْ لَا يَمْلِكُ قُوتَ يَوْمِهِ؟!

مَا أَجْمَلَ أَنْ نَتَأَدَّبَ بِنِعْمَةِ الْمَاءِ، وَنُدْرِكَ حَقِيقَتَهَا، فَنَحْفَظَهَا وَنَسْأَلَ اللَّهَ شُكْرَهَا.

وقال الحسن البصري: أدركت أقوامًا كانوا على هذا الماء يُحاسَبون: لِمَ شربتَ؟ ولِمَ أكثرتَ؟ ولِمَ نقصتَ؟” الزهد للإمام أحمد، برقم (161).حلية الأولياء (2/140).

 ثالثـًا: خُطُورَةُ الْإِسْرَافِ فِي زَمَانِنَا

فِي زَمَانِ التَّقْنِيَةِ وَالْمِيَاهِ الْمُعَالَجَةِ، أَصْبَحَ النَّاسُ يُسْرِفُونَ فِي الْمِيَاهِ إِسْرَافًا عَظِيمًا: صِنَابِيرُ تُتْرَكُ سَائِلَةً، بِغَيْرِ ضَابِطٍ، وَغُرَفُ اسْتِحْمَامٍ تُفْتَحُ بِاللِّتْرَاتِ الطَّوِيلَةِ! وَنَسُوا أَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَكُونُ نِعْمَةً نُسْأَلُ عَنْهَا، أَوْ نِقْمَةً تُسْلَبُ مِنَّا. قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ﴾ [الملك: 30].

تفسير الطبري: الغور هو النزول في باطن الأرض حتى لا يُدرَك، ومعنى الآية: من يأتيكم بماء ظاهرٍ سهلٍ بعد أن يمنعه الله؟! جامع البيان، جـ23، صـ469]

فَأَيْنَ نَحْنُ – عِبَادَ اللهِ – مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي تَرْشِيدِ الْمَاءِ؟! وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ فِقْهِ السَّلَفِ فِي التَّقْوَى عِنْدَ شُرْبِ كُلِّ قَطْرَةٍ؟! لِنَكُنْ رَاشِدِينَ فِي اسْتِعْمَالِنَا، شَاكِرِينَ فِي قُلُوبِنَا، مُؤَدِّبِينَ لِأَبْنَائِنَا، حَافِظِينَ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ.

وَقَدْ سُئِلَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ: “مَا أَغْلَى مَا فِي الْوُجُودِ؟” فَقَالَ: “نُقْطَةُ مَاءٍ إِذَا عُدِمَتْ”.

فَاتَّقُوا اللهَ فِي الْمَاءِ، وَفِي كُلِّ نِعْمَةٍ أُودِعَتْ أَيْدِيكُمْ، وَاعْمَلُوا فِي الْحَيَاةِ عَمَلَ الشَّاكِرِينَ، وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُبَذِّرِينَ، فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ.

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الأعراف: 31]

 أي أنَّ اللهَ تعالى نهى عن مجاوزة الحدِّ في استعمال النِّعم، ومنها الماء، ولو في المباح، لأنَّ الإسراف مَظِنَّةُ الكفران، وعلامة قِلَّةِ التقديرِ للنِّعَم. تفسير السعدي، صـ284]

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الإِنسَانَ فَسَوَّاهُ، وَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَجَعَلَ الْوَقْتَ أَثْمَنَ مَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ فِي حَيَاتِهِ، قَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ» [رواه البخاري]. أمّا بعدُ:

العنصر الثالث استغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية

أيها المسلمون، إنّ من نِعَم الله علينا هذه الإجازة الصيفية، التي يراها البعض وقتًا للراحة والانفلات، بينما يراها أهل الهممِ فرصةً لبناء النفس، وتزكية الروح، وتهذيب العقل والجسد.

خطوات عملية لبناء الذات في الإجازة:

أولًا: القرآن

اجعل لنفسك وردًا من كتاب الله، تلاوةً وتدبرًا وحفظًا. قال الحسن البصريُّ – رَحِمَهُ اللهُ –: “إنَّ هذا القرآن قد قرأه عبيدٌ وصبيانٌ، لا علم لهم بتأويله، ولم يُدروا ما أمرُه ولا ما زجره، يُحَدِّثون أن أحدهم يقول: قد قرأت القرآن كلَّه! وما يُرى له خُشوعٌ ولا سَكينة، ولا وَقار، ولا خوف من الله عزَّ وجلَّ. فواللهِ ما هو بقراءةِ القرآن، حتى يُتّبع بأمرِه ونهيِه، وحتى يُقِيموا به أوامرَه، ويجتنبوا زواجرَه.” [الزهد لأحمد، ٢٢٨]

ثانيًا: الصلاة في وقتها

الصلاةُ عنوانُ الانضباط، وميزانُ الالتزام. حافظ على صلاة الفجر خاصةً، تكن لك نورًا في الحياة، وسببًا في بركة يومك. قال سعيد بن المسيب – رَحِمَهُ اللهُ –: “ما فاتتني الصلاة في الجماعة منذ أربعين سنة، وما نظرت إلى قفا رجلٍ في الصلاة.”

ثالثًا: اقرأ يوميًا

اختر كتابًا في السيرة، أو الفقه، أو التاريخ، أو اللغة، أو التنمية، واقرأ منه كلَّ يوم ولو ورقتين. قال الزهريُّ – رحمه الله –: “العِلمُ خزائن، ومفتاحُه السؤال.”

رابعًا: نَمِّ مهاراتك

البرمجة، التصميم، الخُطابة، اللغات، الحِرف، إصلاح الأجهزة… كلّها مهارات تُكسِبُك نفعًا، وتفتح لك أبوابَ الرزقِ الشريف. وقد قيل: مَن جَدَّ وجَد، ومن سار على الدربِ وصل.”

خامسًا: حافظ على جسدك

مارِس المشي، أو السباحة، أو ركوب الدراجة، أو أي نشاطٍ بدني. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “علِّموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل.”

سادسًا: برُّ الوالدين وصلة الأرحام

اعمل على خدمة والديك، ولا تتأفف من طلبهما، فإن برَّهما سبب في البركة. كان محمد بن سيرين – رحمه الله – يقول: “ما رفعتُ بصري في وجه أمي حياءً منها.”

سابعًا: العملُ التطوعي

قال ﷺ: “خير الناس أنفعهم للناس.” [رواه الطبراني وحسنه]

ثامنًا: احذر القاتلات الثلاث:

  • الفراغ القاتل.
  • النوم الزائد.
  • الإدمان الإلكتروني.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: “إني لأكره أن أرى أحدكم فارغًا لا في أمر دينٍ ولا دنيا.”

عباد الله، كل دقيقةٍ من عمرك نَفَسٌ لا يعود، فاغتنموها في طاعة الله، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيٓ أَعْمَلُ صَٰلِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ [المؤمنون: 99-100].

اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوْقَاتَنَا عَامِرَةً بِذِكْرِكَ، وَأَعْمَالَنَا صَالِحَةً فِي سَبِيلِكَ، وَوَفِّقْ أَبْنَاءَنَا لِطَاعَتِكَ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَيْفِهِمْ، وَاحْفَظْهُمْ مِنَ الفِتَنِ وَالمَهَالِكِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مِيَاهِنَا، وَفِي نِيلِنَا، وَفِي أَنْهَارِنَا، وَاجْعَلْهَا لَنَا سَقَاءً وَرِيًّا وَنَمَاءً، وَلَا تَجْعَلْ فَقْدَهَا عَلَيْنَا بَلَاءً وَشَقَاءً.

اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي نِيلِنَا، وَوَحِّدْ صُفُوفَنَا، وَارْفَعْ عَنَّا الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ وَالْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.

خُطبةُ صوتِ الدعاةِ – إعداد رئيس التحرير

 

 _______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وأيضا للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وكذلك للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

-كذلك للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

وأيضا للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: ahmed_dr.ahmed@yahoo.com رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى